زيارة الشرع إلى موسكو: تثبيت الشراكة مع روسيا وترتيبات الأمن والتموين
تقدير موقف لزيارة الشرع لموسكو وأثرها على الأمن والاقتصاد وشرعية السلطة.
يرصد التقرير تحوّلًا نوعيًا في مسار العلاقة بين قسد ودمشق من حالة إدارة نزاع إلى تفاهمٍ مبدئي على الاندماج المؤسسي والأمني؛ إذ تشير مقابلات قائد «قسد» إلى اتفاق لضمّ القوات ضمن وزارتي الدفاع والداخلية وتشكيل لجان مشتركة لبحث آليات التنفيذ، مع إعلانٍ عن مشاركة دمشق في الحرب على «داعش» بوصفها أحد الشروط المرتبطة بمسار رفع العقوبات، وطرحٍ أمريكي لتشكيل قوةٍ مشتركة تضبط مناطق التماس وتُعيد ترتيب سلاسل القيادة والسيطرة.
ويُظهِر المشهد تزامن هذا المسار مع قنوات تنسيقٍ رفيعة بين دمشق وأنقرة؛ فإلى جانب بحث فتح معبر القامشلي–نصيبين بإدارةٍ سياديةٍ لدمشق، تكثّفت الزيارات الأمنية–الدبلوماسية المتبادلة مؤخرًا، فيما لوّح الرئيس التركي محذّرًا «قسد» من خياراتٍ خاطئة وداعيًا إلى دعم وحدة الأراضي السورية، باعتبار أن الاندماج مع دمشق يسرّع التنمية ويهدّئ الهواجس الحدودية. هكذا تتكوّن معادلةٌ ثلاثية الأبعاد: رعاية أمريكية للمسار الأمني–المؤسسي، وانفتاح تركي مشروط على ترتيباتٍ حدودية واقعية، وسعيٌ من دمشق للاقتراب من اعترافٍ أوسع بشرعية ترتيباتها شرق الفرات.
على المسار الدولي، توزّع الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن (أكتوبر/تشرين الأول 2025) بموجب الفصل السابع يهدف إلى رفعٍ أو تعليقٍ منظّم للعقوبات واستثناء الحكومة من حظر السلاح حين يجري ضمن أطرٍ أممية (OPCW/IAEA، نزع الألغام، إعادة التأهيل وعودة النازحين). تتضمن المسودة بنودًا عملية: إذابة تجميد الأصول، استئناف القنوات الدبلوماسية، وشطب أسماء قيادية من القوائم مع إبقاء العقوبات على داعش وهيئة تحرير الشام، بما يوازن بين إعادة إدماج الدولة السورية ماليًا ودبلوماسيًا وبين الإبقاء على أدوات الرقابة والاشتراطات السياسية.
يُؤسِّس هذا الإطار لاحتمال استعادة تدريجية للشرعية الدولية وتمكين العودة إلى النظام المالي العالمي، بما يحرّك الاستثمار، ويُوسِّع دور الأمم المتحدة في ضمان الاستقرار ومراقبة الإصلاحات. غير أن الطريق محفوفٌ بمخاطر ضعف الحوكمة وتسرب الموارد، وتحفّظ أطرافٍ قد لا ترى العملية شاملةً بما يكفي، إضافة إلى بطءٍ متوقع في استجابة المصارف الغربية بفعل مخاوف العقوبات الثانوية—ما يستدعي آليات شفافية ومساءلة تسند خطوات الرفع وتُقنع الفاعلين الماليين.
في المحصلة، يرسم التقرير مخرجًا واقعيًا مزدوج المسار: داخليًا عبر تثبيت تفاهم قسد–دمشق على أسسٍ دستورية ولا مركزيةٍ مُنظَّمة تُقوّي مؤسسات الحكم وتُقلِّص اقتصاد الحرب؛ ودوليًا عبر مسارٍ أممي مشروط لرفع العقوبات يُعيد دمج سوريا في الاقتصاد العالمي تحت مظلة رقابية. وبين المسارين، تتبدّى نافذةٌ سياسية–قانونية تؤمّن انتقالًا أقل كلفة إذا اقترنت بضوابط تنفيذ واضحة، وحمايةٍ للحقوق، وتدرّجٍ في إعادة فتح قنوات التمويل والتجارة، بما يحدُّ من الارتدادات الأمنية ويمنح المجتمع الدولي أدوات متابعةٍ فعّالة.