تقدير موقف: الواقع السوري 2025 بين الاندفاعة السياسية وقيود العقوبات

سياسة • 2025-11-04 09:35

قراءة مركزة للحالة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وبؤر التوتر والاصطفافات الإقليمية.

يرسم التقرير مشهدًا اجتماعيًا شديد الهشاشة؛ إذ يتعمّق الانقسام بفعل خطاب سلطوي إقصائي يعرّف نفسه بتمثيل «الأكثرية السنية»، ويغذّيه إرثُ العنف في الساحل والسويداء ومناطق التماس المختلطة. تتزايد جرائم القتل والخطف في البيئات المتداخلة طائفيًا، وسط غضّ طرفٍ رسمي أو عجزٍ فعلي عن الردع، فيما تتفاقم هشاشة المعيشة لدى الأقليات والمتضرّرين من التسريح وفقدان الوظائف وتآكل الرواتب أمام التضخّم.

اقتصاديًا، ورغم توقيع مذكّرات واستثمارات مُعلنة بعشرات المليارات في المرافئ والطاقة والبنى التحتية، لم تتحول الوعود إلى مشروعات ملموسة. بقيت العقوبات الأمريكية العامل الحاسم؛ إعلاناتُ «الرفع» جاءت مشروطة ومتقلّبة، فظلّ رأس المال متحفّظًا. رفعت الحكومة الأجور حتى 200% لكن التضخّم وارتفاع الخبز والمحروقات بعد رفع الدعم التام ابتلع الزيادات. ومع التحضير لاستبدال العملة لضبط المعروض النقدي، بقيت الأسعار في منحنى صاعد خلال الشهرين الأخيرين.

عسكريًا، تتقدّم محاولات «الدمج» نظريًا فيما تستمر واقعيًا بنية الفصائل وتعدّد مراكز القوة. يُسجَّل تنسيق متنامٍ مع تركيا (تدريب وتسليح وعربات وناقلات جند) وتفعيلٌ لقنوات موسكو (تدريب وتسليح وتأهيل، وتسليم طائرات من حميميم)، لكن البناء المؤسسي الموحد لم يتماسك بعد.

على خطوط التماس مع قسد، تعكس الرسائل النارية استعصاءات التفاوض. الحماية الأمريكية تُقيّد أي عملية كبرى دون تفاهمٍ ثلاثي، فيما يزداد الضغط التركي وتُضرب مواعيد سياسية لنهاية 2025؛ لذلك يُستبعَد عمل واسع قبل نهاية العام ما لم تمنح واشنطن ضوءًا أخضرًا. جبهة دير حافر تبقى الأكثر اشتعالًا، وتبقى المفاوضات قائمة رغم تعثّر بعض اللقاءات.

في الجنوب، يواصل «اتفاق عمّان» إنتاج تهدئة هشة في السويداء (حرس وطني وخطوط انتشار)، بينما تكثّف إسرائيل توغّلاتها في القنيطرة ودرعا وريف دمشق لفرض حزامٍ عازل يمتد حتى تخوم رخلة وجبل الشيخ. يتقاطع ذلك مع مسار تفاوضٍ أوسع عنوانه «اتفاق أمني سوري–إسرائيلي» لم يوقّع بعد، تتنازعه روايات متباينة: تعطيل تركي بانتظار ترتيبات الوجود العسكري، أو انتظار توقيتٍ سياسيّ لا يُحرج السلطة مع جمهورها، أو سعيٌ إلى مظلة ضمانات إقليمية–دولية، أو ببساطة عدم استعجالٍ إسرائيلي مع تفضيل سياسة «تقسيم الأمر الواقع». يبقى الموقف الأمريكي محدِّدًا.

سياسيًا، حازت السلطة غطاءً سعوديًا وقطريًا نسبيًا مع حذرٍ مصري–إماراتي، وحضرت منصات أممية ودولية، لكن الاندفاعة الأولى تحوّلت إلى مقاربات براغماتية تركّز أوروبيًا على اللاجئين والإرهاب، وأمريكيًا على ربط الشرعية ورفع العقوبات بمسار التسوية الإقليمية والاصطفاف ضمن ترتيبات العلاقات مع إسرائيل. يتقدّم التفاوض مع قسد تحت إشراف أمريكي سياسي–عسكري متوازي، وتضغط أنقرة بسقفٍ زمني حتى نهاية 2025، فيما تصطدم ترتيبات الدمج بأسئلة شكل الدولة وتقاسم النفوذ داخل المؤسستين العسكرية والأمنية.

خلاصةً، يلتقي طريقان متوازيان: تهدئةٌ أمنية مُدارة على الجبهات الحسّاسة، ومقايضاتٌ سياسية–اقتصادية مشروطة تحاول كسر الجمود دون كسر موازين القوى. ما لم تُترجَم التفاهمات إلى هندسة مؤسسية شفافة وقابلة للقياس، سيظل الاستقرار معلقًا على خيطٍ رفيع بين ضغوط العقوبات وتقلّبات الإقليم و«رسائل النار» على خطوط التماس.