الفسيفساء السوري:فسيفساء إثنية-طائفية تحت الضغط… الجغرافيا الديموغرافية كمساحة صراع وحقوق أقليات

تتناول الدراسة البنية الإثنية والطائفية في سوريا قبل 2011، ثم تتابع كيف أعاد الصراع رسم الجغرافيا السكانية عبر التهجير والعنف والسياسات العقارية. وتخلص إلى أن هذه التحولات تركت آثارًا عميقة على مستقبل التعايش وحقوق الأقليات.
تُقدّم الدراسة خريطة تحليلية للبنية الديموغرافية في سوريا عشية 2011، عبر استعراض توزيع المكونات الإثنية والطائفية على مستوى البلاد: الأكراد في الشمال والجزيرة، العلويون في الساحل وامتداداته، الدروز في السويداء، الإسماعيليون والمرشدية في سلمية وجبال الساحل، والفسيفساء المسيحية في المدن الكبرى والريف الغربي، إلى جانب التوزيعات السنية المتنوعة في الحواضر والريف.
تركّز الدراسة على كيفية تحوّل هذه الخريطة بفعل الحرب منذ 2011، حيث شهدت البلاد عمليات تهجير واسعة النطاق، وحصارات، وقصفًا ممنهجًا، إضافة إلى «اتفاقيات مصالحة» أفضت إلى تفريغ مناطق كاملة مثل حمص القديمة وداريا والغوطة الشرقية وحلب الشرقية. كما تناقش الأدوات القانونية التي استُخدمت في هذا السياق، وعلى رأسها القانون رقم 10 لعام 2018، الذي شكّل غطاءً تشريعيًا لإعادة توزيع الملكيات بما يخدم السلطة وحلفاءها.
تؤكد الدراسة أن هذه التحولات لم تكن مجرد انعكاسات عرضية للنزاع، بل مثلت عملية «هندسة سكانية» ممنهجة أعادت تشكيل التركيبة السكانية والسياسية لسوريا. كما تلفت إلى الآثار الوجودية لهذه التغييرات على المجتمعات المحلية، بما في ذلك تهديد الحق في العودة، وفقدان الملكية، وتفكك النسيج الاجتماعي التاريخي.
وتختتم الدراسة باقتراح منهجيات بحثية وحقوقية لرصد هذه التحولات: إجراء مسوحات ميدانية مقارنة بخط الأساس الديموغرافي قبل الحرب، تحليل الأطر القانونية والتشريعات العقارية، توثيق التاريخ الشفهي للمجتمعات المهجرة، واستخدام صور الأقمار الصناعية والأدلة الرقمية لرصد التغيرات. وتؤكد أن فهم «الفسيفساء السوري» في أبعاده الديموغرافية والسياسية يشكل خطوة أساسية لأي مسار إنصاف وعدالة انتقالية في المستقبل.